بسم الله الرحمن الرحيم
فمع الغزو الإعلامي المكثف تحولت كثير من بيوت المسلمين إلى مرتع مفتوح لدعاة الشر والفساد، وزاد تعلق الناس بالشاشات وما يعرض فيها، حتى أنها دخلت في تنظيم أوقات حياتهم وتربية أفكارهم وتغيير معتقداتهم وتوجيه صغارهم!
وقد يطول زمن الجلوس في بعض البيوت أمام الشاشات إلى ساعات طويلة لو جمعت في عمر الإنسان لكانت أياماً وشهوراً وسنيناً. وهكذا يفقد كثير من الناس ما هو أغلى من الذهب والفضة وأكثر فائدة وأعظم أثراً.. ألا وهو الوقت.
فإن كان المال يستطيع الموفق أن يستثمره وينميه، وأحيانا يأتي من وارث، أو هبة، أو غير ذلك، إلا أن الزمن لا يُنَمَّى ولا يوهب ولا يُشترى مطلقاً!
ومن تحدث عن هذا الأمر وأسهب في مضار ما يعرض يفاجئه سؤال عجيب ألا وهو قول الكثير من الناس: ما البديل إذن؟
أخي المسلم: إن صدقت في السؤال وأحسنت النية فالبدائل كثيرة، وتغيير مسار الحياة سهل ميسور، وقد سبقك الكثير!
وإني أعجب للرجل العاقل والمرأة الفطنة كيف يجعلان حثالة القوم وسفلة المجتمع من الحاقدين والصليبيين والمنافقين والمهرجين يوجهون فكرهما ويربون أولادهما ويغرسون فيهما ما شاءوا من الرذيلة وسيء الخلق!
ولإعانة من أراد التخلص من الشاشة تقرباً إلى الله عز وجل و طاعةً وإمتثالاً لأمره، أطرح له بدائل عدة لعل فيها ما يُغني عن هراء الممثلين والممثلات وسخف الأغاني الماجنة والمسلسلات الساقطة، وبث السموم و لأفكار المخالفة لدين الله عز وجل، ومن تلك البدائل:
(1) - تحقيق التقوى في النفس والأبناء و عندها يأتي الفرج سعادةً للنفس وطمأنينةً في القلب، فإن الله تعالى يقول: {ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً} ويقول تعالى: { إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}. ومن أعظم أنواع الصبر؛ الصبر على الطاعة والبعد عن الحرام. وأذكر هنا أن امرأة صالحة كانت تلغي كثيراً من ارتباطاتها وزياراتها لبعض من حولها خوفاً على أبنائها من متابعه المسلسلات والشغف بالتمثيليات فأكرمها الله عز وجل بأن جعل أبناءها بررة حافظين لكتاب الله عز وجل قرت بهم أعين والديهم. « ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه»
(2) - الحرص على العبادة وخاصة الصلاة في أوقاتها والإكثار من نوافل الطاعات من صلاة وصيام وعمرة وصدقة وقراءة للقرآن. ونرى أن من يحس بالفراغ والوحشة إنما هو ذلك الذي ابتعد عن النوافل وفرَّط في الطاعات، و الكثير من العباد ينظر إلى الوقت وقصره وسرعة انقضائه لأنه استثمره خير استثمار.
(3) - تحري أوقات الإجابة والتضرع إلى الله عز وجل، فإن الشاشات وما يعرض فيها والتعلق بذلك بلاء وشقاء يرفعه الله عز وجل بالدعاء والمجاهدة والصبر.
(4) - معرفة فتاوى العلماء في حكم هذه الشاشات وما يعرض فيها وغرس البعد عن الحرام في قلوب الصغار وتربيتهم على طاعة الله عز و جل والبعد عن معصيته. خاصة أن الأمر تجاوز مجرد الشهوات إلى إثارة الشبهات حول مُسَلَّمات عقدية نؤمن بها وهي من أساس دين الإسلام.
(5) - قراءة ما يعرض عن الشاشات وخطر ما فيها وهذا يسهل أمر الصبر والمصابرة، فإن في معرفة الأضرار الدينية والطبية والنفسية سلوى لمن أراد الابتعاد وسعى إلى النجاة، وأنصح بقراءة كتاب (بصمات على ولدي) لطيبة اليحيى، فقد أوردت بالأرقام والإحصاءات ما يجعل المسلم يبتعد عن هذه الشاشات. كما يوجد في المكتبات كتب متميزة خاصة بتربية الصغار تربية إسلامية.
(6) - الاستفادة من الأوقات للقيام بالواجبات الاجتماعية من بر الوالدين وصلة الأرحام وتفقد الأرامل والمساكين وإعانة أصحاب الحوائج.
(7) - الاشتغال بطلب العلم وحث أهل البيت على زيادة معلوماتهم الشرعية في ظل تيسر الأمر بوجود أشرطة العلماء السمعية. فيستطيع رب المنزل أن يرتب له ولأسرته درساً يومياً أو أسبوعياً.
(
- ربط أهل البيت والأطفال بسيرة الرسول ودعوته وصبره وجهاده وقراءة دقائق حياته فإن في ذلك أثراً على تربية النفوس وتهذيبها وربطها بمعالي الأمور.
(9) - وضع دروس يومية منتظمة بجدول ثابت لحفظ آيات من القرآن الكريم وفي هذا أثر عظيم جداً، ولو رتب أحدنا حفظ بعض الآيات كل يوم لختم القرآن في سنوات قليلة وفي ذلك خيرا الدنيا والآخرة . وبعض الناس قارب عمره الأربعين سنة ولم يحفظ خمسة أجزاء من كتاب الله عز وجل؟!
(10) - الاهتمام بإيجاد مكتبة أسرية متنوعة تحوي مختلف العلوم وتكون في متناول الجميع، فإن في ذلك تنمية للمواهب والمدارك عن طريق القراءة حتى يصبح الكتاب- بعد حين– رفيقاً لا يمله أهل المنزل.
(11) - الاستفادة من برامج الحاسوب الآلي المتوفرة بكثرة بما في ذلك المسابقات وبرامج اختبار الذكاء وغيرها.
(12) - معرفة نعمة الله على الإنسان باستثمار الوقت في عمل صالح فإن تلك نعمة عظيمة. قال ابن القيم: وبالجملة، فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجب عدم إضاعتها يوم يقول: {يا ليتني قدمت لحياتي}، واستشعار قيمة الوقت يدفع إلى الحرص والمحافظة عليه وإنفاقه فيما ينفع.
والرجل الفطن يلحظ ضياع كثير من الطاعات والقربات وفواتها عليه بسبب جلوسه أمام الشاشة وما تضييع الصلوات وخاصة صلاة الفجر إلا دليل على ذلك، كما أن في ضياع صلة الرحم والكسل عن القيام بالواجبات الأسرية دليلا آخر. وفي ضياع الوقت بهذه الصورة مدعاة إلى التوقف و التفكر والمحاسبة!
(13) - القيام بالنزهات البرية للأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الناس والتبسط مع الزوجة والأبناء وإشباع رغباتهم في اللعب والجري وصعود الجبال واللعب بالرمال. وهذه الرحلات من أعظم وسائل ربط الأب بأسرته وهي خير من الذهاب بهم لأماكن اللهو التي تفشو فيها بعض المنكرات ولا يستطيع الأب أن يجلس مع أسرته وأبنائه بحرية تامة.
(14) - وضع برنامج رياضي للأب والأم والأبناء بمعدل يومي عشر دقائق مثلا حتى وإن اقتصر على التمارين الخفيفة.
(15) - زيارة الصالحين والأخيار والاستفادة من تجاربهم، والاستئناس بأحاديثهم، و ربط الناشئة بهم ليكونوا القدوة بدلاً من الممثلين والمهرجين.
(16) - إشغال الفتيات بأعمال المنزل وتدريبهن على القيام بالواجبات المنزلية وتعويدهن على تحمل مسئولية البيت وتربية الأطفال والقيام بشئونهم.
(17) - وضع جدول زمني- شهري مثلا - لحضور بعض محاضرات العلماء في المساجد.
(18) - مشاركة الجهات الخيرية والمؤسسات الإغاثية بالعمل و الجهد والمساهمة بالوقت في تخفيف هموم المسلمين ورفع معاناتهم.
(19) - جعل يوم في الأسبوع يوماً مفتوحاً في المنزل لإلقاء الكلمات المفيدة وبث الفوائد بين الجميع وطرح الأفكار ورؤية إنتاج المنتجين من الأبناء والصغار.
(20) - جعل قائمة بالأنشطة والدرجات والتقديرات للأبناء وتحسب نقطة لكل عمل جيد، وأخرى لكل جهد مميز وهكذا في نهاية الأسبوع توضع الجوائز لصاحب أعلى النقاط. بما في ذلك الانضباط أيام الأسبوع والمذاكرة وغيرها.
(21) - تسجيل الأولاد في حلق تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، و الأم وبناتها في دور الذكر لتحفيظ القرآن الكريم وإظهار الفرح بذلك وتشجيعهم على المراجعة مع بعضهم البعض وذكر ما حفطوا كل يوم. وفي هذا ربط لهم مع كتاب الله عز وجل.
(22) - جعل أيام معينة للأسرة يجتمعون فيها ويكون الحديث مفتوحاً، ويركز على قصص التوبة ومآسي المسلمين وقصص من أسلموا حديثا وذكر بعض الطرائف والنكت المحمودة.
(23) - التأمل الدقيق في بيوت كثير من الأخيار التي تخلو من الشاشات، وكيف هو بفضل الله صلاح أبنائها واستمرار أهلها وحسن تربيتهم على التقوى والصلاح فإن ذلك يدفع الرجل إلى الحذو حذوهم ويدفع بالأم إلى السير على طريقهم.
(24) - الإكثار من شكر وحمد الله عز وجل على أن أبدل المعصية بالطاعة والسيئات بالحسنات والفرح بذلك فإن في ذلك ثباتاً على الأمر وإشاعة لتحول كبير في الأسرة.
(25) - القيام بأعمال دعوية أسرية مثل مراسلة هواة المراسلة ودعوتهم إلى الالتزام بهذا الدين وإرسال الكتب إليهم، أو كتابة رسائل توجيه ونصيحة للطلاب والطالبات وغيرها، كل لبني جنسه.
(26) - اختيار أسر من الأخيار وزيارتهم ومعرفة كيفية استفادتهم من أوقاتهم وكذلك سؤالهم كيف يعيشون سعداء بدون شاشة!
(27) - كثير من الناس لا يعرفون خلجات بناتهم ولا هوايات أبنائهم ولا هموم زوجتهم لأن وقت الأسرة مليء بالاجتماع على مشاهدة الشاشة فحسب، وبدون الشاشة يكون الحديث مشتركاً والتقارب أكثر بإيراد القصص والطرف وتبادل الأحاديث والآراء.
(28) - الاهتمام بهوايات الأبناء وتوجيهها نحو خدمة الإسلام و المسلمين و تشجيعهم علي المفيد منها.
(29) - إعداد البحوث علامة على مقدرة الشخص وتمكنه العلمي. ولكل عمر من الأعمار مستوى معين من البحوث وهذا يجعل الأسرة تعيش جواً علمياً إذا أرادت ذلك وسعت إليه.
(30) - كثير من الناس يعتذر بوجود الشاشة لرغبته في معرفة أحداث العالم وأخبار الكون! ومع حرصه هذا فإنه غافل عن أخبار الآخرة وأحداث يوم الحسرة والندامة وأحوال البرزخ وأهوال البعث والنشور والصراط وغيرها! وله كفاية بالإذاعة وبعض الصحف لمتابعة الأخبار والأحداث!
(31) - لو طلب منك شخص أو جهة أن تضع في صالة منزلك خمسة أفراد ما بين رجل وسيم وامرأة فاتنة منهم الفاجر والفاسق ومنهم المهرج ومنهم المُنَصِّر، و شرطت عليهم أن لا يتحدثوا و لا يجتمعوا بأبنائك وزوجتك إلا بحضورك! فهل يا ترى تخرج مطمئن الفؤاد إلى هؤلاء وهم في عقر دارك!! إن كان الأمر كذلك وبقية إيمان في قلبك فأخرجهم حتى ولو لم يكن هنالك بديل.
أخي المسلم، أختي المسلمة: هناك أمور كثيرة لا يكفي لها الوقت لو ذكرت، إنما الهدف ذكر طرف منها للتخلص من الشرور ودفعها بين يدي المسلم. وفي طاعة الله عز وجل وتقواه خير معين، وهذا البيت الصغير هو مملكتك التي تستطيع أن تجعلها جنة وارفة الظلال بالطاعة والعبادة وحسن الخلق وطيب المعشر.
وكثير جعل هذا المسكن والقرب جحيماً بسوء التربية وحلول المعصية وفساد الطباع يخربون بيوتهم بأيديهم. وكما أن للطاعة أثراً فإن للمعصية شؤماًً.
ويا أيها الأب ويا أيتها الأم: المسئولية عظيمة والحساب شديد والأمانة بين أيديكم، فإياكم وضياع الأولاد وإهمالهم فإنكم مسئولون ومحاسبون عنهم غداً. يقول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}.
وأذكركم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته» متفق عليه.
وأجزم أن كثيراً من الآباء لو علم أن الشاشات تسبب مرضاً معيناً لمن يراها ولو لدقائق لما بقي في البيوت شاشات إطلاقاً، ولكن لأن هذا مرض عضوي اهتم الآباء به أما مرض القلوب والشهوات فالأمر مختلف. وشتان ما بين زماننا وأهله وصدر الإسلام وأهله. فلما نزلت آية تحريم الخمر ما قال الصحابة: لنا سنوات، ولدينا منها مخزون كبير أو ما هو البديل إذن! بل سالت الشعاب بالخمر المُراق طاعةً وامتثالاً. ولما نزلت آية الحجاب خرج نساء المسلمين وهن كالغربان متشحات بالسواد لا يُرى منهن شيئاً. {و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
ولأهل الإسلام: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
قال ابن كثير: (أي عن أمر رسول الله وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته)، ثم قال رحمه الله في قوله تعالى: {تصيبهم فتنة} (أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة).
أقر الله الأعين بصلاح الأولاد وضاعف الأجر والمثوبة للوالدين على حسن التربية والتوجيه لهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع إذاعة طريق الإسلام