فى هذه المنطقة من العالم ... الشرق الأوسط ... حيث مايزال الانسان معتزلاً ... مرعوباً فى المغارات و الكهوف ... لائذاً بهلاوسه العقلية وأساطيره التى اخترعها وطورها الكهنة منذ " سومر " ... متوتراً ... متحفزاً ... قابضاً على كل ما تطوله يداه من أدوات ... حجارة ، صوان ، فروع شجر ، سكاكين ، سنج ، سيوف ، جنازير ، مياه نار ، مطبوعات ، فضائيات ... يصرخ مذعوراً ... يقذف بها فى وجه كل كائن حى آخر غريب يدنو من كهفه أو يعبر أمامه ... فى منطقة كتلك ... ليس غريباً أن تُعتبر تهنئة بالعيد توجه الى شخص مختلف فى العرق أو الدين أو العقيدة بمثابة اعلان حرب وتهديد للوجود ... !
ينتفض المرعوبون ... يصرخون فى تشنجات عصبية ... يلوحون بالحراب فى وجه من يجرؤ علانية على تهنئة المختلفين بالأعياد ...
فى مقالنا السابق هنأنا الأفغان والأكراد بعيد النيروز ... وهنأنا " المصريين البهائيين " !
وجاءت الرسائل من داخل المغارات ....
طوفان من العنصرية و الكراهية والقبح و الشتائم .
وهو أمر ليس بغريب ولا جديد ... و يُفترض له - هنا - أن يكون !
الشيئ العجيب أن معظم هذه الرسائل التى استثارتها تهنئة " المصريين " البهائيين بعيدهم جاءت من مغارات " المملكة السعودية " و دول الغرب الكافر ... " أوروبا " و" كندا " و " الولايات المتحدة " !!
رسالة لافتة منها ضُمنت فتوى رسمية للشيخ الوهابى العلامة مفتى السعودية الجليل الراحل " ابن عثيمين " ... هذا جزء من نصها :
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم سؤال رقم 947
السؤال : ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم ؟ .
الجواب : الحمد لله تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه - يرحمه الله - .
( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 3/369 ) .
ونحن ها هنا نُجيب :
فى هذه الأيام المحتشدة بالأعياد ، وكما هنأنا " المصريين البهائيين " بعيد النيروز ، وكما نهنئ " المسلمين " بالمولد النبوى ...
نهنئ " المسيحيين " العرب بعيد القيامة المجيد ...
ثم نقول :
أيها اليهود العرب : ........................ عيد فصح سعيد !
فى منطقة الشرق الأوسط العربية ... عاش كثير من أبنائها لأكثر من ألف عام يهوداً ....
أكثر من ألف عام قبل أن تظهر المسيحية وقبل أن يظهر الاسلام ...
اليوم ... كثير من مسيحيى العرب هم أحفاد هؤلاء اليهود ... أجدادهم كانوا يهوداً وان لعنوهم وقالوا : صلبوا المسيح ! وكثير من مسلمى العرب اليوم هم أحفاد اليهود ... أجدادهم كانوا يهوداً وان لعنوهم وقالوا : قردة وخنازير !
فى مصر ... عام 1917 ... كان عدد المصريين اليهود 59.581 ... مصريين لحماً ودماً .... ساهموا مع بقية المصريين مسلمين و مسيحيين فى النهضة المصرية الليبرالية ... منذ بدأها " محمد على " الى أن أنهاها " العسكر " وصفاها " العروبيون " !
فى السياسة ... كان منهم موسى قطاوى عضو الجمعية التشريعية المصرية ... ووزير المالية ثم المواصلات فى حكومة عام 1925 ... مؤسس " خط سكة حديد أسوان " ، و " شركة ترام وسط الدلتا " ! و منهم يوسف قطاوى رئيس مجلس السافارديم المصريين ... عضو لجنة صياغة " دستور 1923 " الذى يتباكى عليه اليوم .... المصريون !
ومنهم أعضاء كانوا فى لجنة التفاوض على أجل الغاء " الامتيازات الأجنبية " عام 1937 ! ومنهم المحامى زكى عريبى عضو لجنة صياغة " دستور 1956 " !
أسسوا " شركة الملح والصودا " عام 1906 ! و " الشركة المصرية للبترول " بعد ثورة 1919 ! و " شركة مضارب الأرز " عام 1947 !
وأسسوا " البنك العقارى المصرى " عام 1880 ، و " البنك الأهلى المصرى " عام 1898 ، و " البنك التجارى المصرى " عام 1905 ! وساهم " ريكو " المصرى اليهودى مع " طلعت حرب " فى تأسيس " بنك مصر " !
وأنشأوا شركات " صيدناوى " و " هانو " و " ريفولى " و " شيكوريل " و " بنزايون " و " عدس " و " عمر أفندى " و " شملا " ، و " جاتنيو " ، و " بونتبوريمولى للأثاث والديكور " .
وأقاموا فنادق " سان استيفانو " و " مينا هاوس " و " كونتيننتال " و " سافوى " !
فى الفن .... كان منهم مبدعون وفنانون شاركوا فى احياء الموسيقى والغناء وانشاء السينما و المسرح المصرى ...
أسس ايلى موصيرى شركة " جوزى فيلم " عام 1911 لتكون أولى شركات دور العرض السينمائى ! وأسسوا سينما " الكورسال الصيفى " و " الكورسال الشتوى " و "سينماتوجراف بالاس " و " سينماتوجراف المنظر الجميل " و " سينما لوكس " و " راديو " بالقاهرة ، .... و سينما " فريال " و " راديو " بالاسكندرية !
أسس " يعقوب صنوع " .. " أبو نضارة " .. المسرح المصرى ، وكان " الخديوى اسماعيل " قد أطلق عليه لقب " موليير مصر " ... ولمن لا يعرف فيعقوب صنوع المصرى اليهودى هو صاحب شعار " مصر للمصريين " !
ومن المصريين اليهود المبدعين الموسيقار " داود حسنى " ، صاحب " قمر له ليالى " و " كليوباترا " و" معروف الاسكافى " !
ومنهم المخرج الكبير " توجو مزراحى " صاحب فيلم " سلفنى 3 جنيه " و فيلم " سلامة " لأم كلثوم 1947 !
ومنهم " زكى مراد " و ابنه الملحن الكبير " منير مراد " ! و ابنته المطربة العظيمة " ليلى مراد " !
و منهم " راقية ابراهيم " و " الياس مؤدب " و " نجمة ابراهيم " و " كاميليا " و " نجوى سالم " ........ و " عمر الشريف " !
فى 25 أكتوبر 1952 بعد " انقلاب العسكر " قام الرئيس " محمد نجيب " بزيارة معبد " اليهود القرائين " لتهنئة المصريين اليهود بعيد كيبور !!!
فى عام 1956 كان عدد المصريين اليهود 60 ألفا ، عاشوا مصريين روحاً ودماً ... تم تهجير مايقارب 20 ألفاً منهم مابين عامى 1956 و 1961 ....
تم الاستيلاء على أموالهم و رُحل ما تبقى منهم بعد قرارات التأميم عام 1961 ،.... وُزعت الكثير من بيوتهم وأملاكهم على ضباط الجيش ..... بعد أن انتهت النهضة و استبد بمصر الزعيم الخالد !
اليوم ... ونحن فى عام 2007 لم يبق من المصريين اليهود الا أقل من ثلاثمائة فرد ! صاروا " أخيراً مواطنين " ... بعد " تعديل المادة الأولى من الدستور " !
....................................
فى العراق ... ألقى " نورى السعيد " كلمة فى مؤتمر " المائدة المستديرة " بلندن عام 1939 قال فيه : " يسكن العراق مائتا ألف يهودى يقيم معظمهم فى بغداد " ...
فى عام 1950 بدأ تهجيرهم ... فى عام 1976 كان المتبقى منهم أقل من أربعمائة عراقى يهودى !
..................................
فى المغرب كان عدد المغاربة اليهود يقدر ب 280 ألفاً عام 1950 ...
اليوم .... فى عام 2007 يعيش مايقارب الخمسة آلاف مغربى يهودى تحت رعب التفجيرات الانتحارية ....
فى 16 مايو عام 2003 تعرضت ممتلكاتهم ومقابرهم لموجة من التفجيرات ... سقط فيها 45 قتيل ! فى سبتمبر 2003 قتل أحدهم مطعوناً بسكين ، وقُتل آخر رمياً بالرصاص !
.................................
فى تونس يعيش أكثر من 3000 تونسى يهودى فى حرية منذ عهد الرئيس الراحل " الحبيب بورقيبة " ، .... شغل منهم " ألبير بسيسى " منصب الوزير فى احدى الحكومات !!!!
لكنهم .... - رغم ذلك - لم يسلموا .... لا من عداء حركة النهضة الاسلامية و لا من التفجيرات الانتحارية !
فى أبريل 2002 تم تفجير أقدم معبد يهودى فى أفريقيا أُنشى عام 566 قبل ميلاد المسيح فى جزيرة " جربة " ! وسقط 20 قتيل !
...............................
رغم ذلك ....
رغم التأميم .... ورغم التهجير ... ورغم الطرد .... ورغم التفجيرات .... ورغم العنصرية و العداء والتهميش ... ورغم " سبهم " ب " أقبح الشتائم " فى " صلوات " " المؤمنين " !! فى " كل " المساجد العربية و " بعض " الكنائس ... وتكفيرهم ولعنهم وتخوينهم فى الكتب و فى الصحف وقنوات التليفزيون الحكومية والخاصة .....
رغم كل هذا .......
فما يزالون يعيشون فى مصر وفى العراق وفى اليمن وفى البحرين وفى تونس وفى المغرب وفى ليبيا وفى سوريا وفى لبنان وفى الجزائر وغيرها من دول الشرق الأوسط العربية .... !
وما يزالون يحتفلون بأعيادهم فى صمت .... منسيين !
وما يزالون يعشقون أوطانهم التى قست عليهم ولا يرتضون عنها بديلاً !!!!!