أثر الذنوب والمعاصي في زوالِ النعم وحلول النقم
للكاتب : مصطفى العدوي
وكذلك يعلم هذا الناظر المُتأني والباحث المدقق عن أسباب زوال النعم وحلول البلايا والنقم، يعلم تمام العلم أن من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم الكفر بالله وكثرة المعاصي والجرائم والذنوب والبعد عن طريق الله -سبحانه وتعالى-، ومعاداة أوليائه وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
فكم من أمةٍ، وكم من قريةٍ كانت في سعةٍ من الرزق ورغدٍ من العيش وسلامة في الأبدان وأمنٍ في الأوطان، فحادت عن طريق الله -سبحانه وتعالى- فحلَّ عليها العذاب، ونزل بها العقاب وتبدلت الأحوال، وضُرِبت مثلاً للحاضر والباد.
قال الله -تبارك وتعالى-: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ} [الطلاق: 8-10].
وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 112-113].
وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15-17].
وها هم قوم نوح:
قال الله في شأنهم: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} [الفرقان: 37].
وها هي عاد:
تلك القبيلة التي لم يُخلق مثلها في البلاد، منَّ الله عليهم بطولٍ في الأجسام وسلامةٍ في الأبدان وسعةٍ في الأرزاق، فاستكبروا وتعالوا على الله وعلى خلقه، فماذا كانت العاقبة؟ قال الله سبحانه: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15-16].
سلط الله على هذه القبيلة الطاغية الباغية الريح العقيم كما قال سبحانه: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41-42].
وكما قال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 6-7].
وها هم ثمود:
الذين جابوا الصخر بالواد، تلكم التي بيَّن الله لها طريق الهداية فاستحبت العمى على الهدى، ماذا كان من أمرها؟ قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17].
تلك القبيلة التي أنعم الله عليها بنبيها صالح -عليه السلام- وبالناقة -ناقة الله التي كانت تشرب الماء يوماً ويشربون لبنها يوماً-، فتآمروا على قتلها وجحدوا نعمة ربهم، فماذا كان من أمرها؟!!
كذبوا صالحًا وكفورا وانبعث أشقى رجل منهم وخرج لقتل الناقة عقرها فدمرهم الله، كما قال سبحانه: {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 12-13].
وكذلك فرعون ذو الأوتاد الذين طغوا في البلاد:
{فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 12-13].
هذا فرعون الظالم:
الذي طغى وبغى، وكان له ملك مصر، والأنهار كانت تجري من تته، مُنَعَّمًا في الكنوز والمقام الكريم، فاستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق، وتعالى وتكبر وتجبر، فماذا كان من أمره وأمر جنده؟!
إنه تعالى على المرسلين بقوله:
{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 51-52].
بل تطاول وتعاظم فقال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].
وقال: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].
وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، ذبح الأطفال، وشرَّدَ الرجال، استحيا النساء وسخرهن، فماذا كان من أمره بعد هذا التكذيب وذاك العناد؟!!
وقال: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 41-42].
وقال تعالى: {وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} [الحاقة: 9-10].
وقال تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل: 16].
وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 57-58].
فها هي عاقبة الظلم، وها هي عاقبة البغي، وها هي عاقبة الكفر والتكذيب!!!
هذا على مستوى الأمم والشعوب، أمم وشعوب أُخذت بأكملها، وتحولت النعم عليهم إلى نقم كما قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
وليس على مستوى الأمم والشعوب فحسب، بل على مستوى الجماعات، والأفراد كذلك.
ها هم أصحاب الجنة -أصحاب الحديقة والبستان-:
الذين بيتوا الشر وبيتوا البخل، وأقسموا ليصرمُّنها مصبحين ولا يستثنون، تآمروا لمنعم الفقير والمحتاج خقه، فماذا كان؟!!
{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 19-20].
وها هو قارون الطاغي الباغي: