حمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ومن على سار واقتفى
الاستغفار هو طلب المغفرة من العزيز الغفار وطلب الإقالة من العثرات من غافر الذنب وقابل التوب
قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى الغَفّار والغَفور ، وهما من أبنية المبالغة ، ومعناهما الساتر لذنوب عباده وعُيوبهم المُتجاوِز عن خطاياهم وذنوبهم . وأصل الغَـفْـر التغطية . يقال : غفر الله لك غفراً وغفراناً ومغفرة . والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمُذنبين.
والاستغفار جاء على ألسنة أنبياء الله ورسله
فعلى لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ)
وقال عليه الصلاة والسلام :" إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" . رواه مسلم .
قال الإمام النووي : والمراد هنا ما يتغشى القلب . قال القاضى : قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه فإذا فَتَرَ عنه أو غفل عدّ ذلك ذنبا واستغفر منه .
وروى مكحول عن أبي هريرة قال : ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال مكحول : ما رأيت أكثر استغفارا من أبي هريرة . وكان مكحول كثير الاستغفار
وجاء على لسان نبي الله نوح عليه السلام: ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا)
وقال على لسان نبيّه هود عليه الصلاة والسلام : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ )
وجاء على لسان صالح عليه الصلاة والسلام : ( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ )
وعلى لسان شعيب عليه الصلاة والسلام ( وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )
وأثنى الله على عباده المستغفرين بأوقات السحر فقال: ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ )
وقال أيضا: ( كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
والإستغفار جامع لعدة معاني ينبغي على المسلم استحضارها أثناء ذكره فمنها:
- استغفار المولى جل وعلى عند الفراغ من العبادة:
وذلك للتقصير الواقع فيها لا محالة من سهو وانشغال قلب عن الخشوع وغيرها مما يطرأ للعبد في أثناء عبادته
قال سبحانه في الحج : ( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أستغفر الله ثلاثا عقب تسليمه من الصلاة ففي صحيح مسلم عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، قال الوليد: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله أستغفر الله,
- وبالإستغفار أيضا تختم المجالس: حيث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يختم خطبته بقوله " سبحانك اللهم وحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك"
وهذا ما يسميه العلماء كفارة المجلس لأنه يكفر ما تخلله من مخافات وصغائر ذنوب وتقصير فيه.
-ويكون الاستغفار عند جموح ورغبة النفس الوقوع في الذّنب:
قال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
وقال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا )
-بالاستغفار تُفتّح مغاليق الأمور وبه تُستمد الأرزاق ، ويُستكثر من المال والولد ،
قال سبحانه وتعالى على لسان نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )
قال جل جلاله على لسان نوح عليه الصلاة والسلام : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا )
و عن أبي مروان الأسلمي قال "خرجنا مع عمر بن الخطاب نستسقي فما زاد على الاستغفار" إرواء الغليل
قال سفيان الثوري لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين : لا أقوم حتى تحدثني .
قال له جعفر : أنا أحدثك ، وما كثرة الحديث لك بخير .
يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقائها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله عز وجل قال في كتابه : ( لئن شكرتم لأزيدنكم )
وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار ، فإن الله تعالى قال في كتابه : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا )
يا سفيان إذا حَزَبَك أمرٌ من سلطان أو غيره فأكثر من : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج ، وكنز من كنوز الجنة .
فعقد سفيان بيده وقال ثلاث ونصف ثلاث . قال جعفر : عقلها والله أبو عبد الله ، ولينفعنه الله بها .
- بالإسغفار يتقى من غضب الجليل ومن عذابه في الدنيا والآخرة:
قال تعالى " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" سورة النحل
قال سفيان بن عيينة : غضب الله داء لا دواء له .
وعقّب عليه الإمام الذهبي بقوله : دواؤه كثرة الاستغفار بالأسحار والتوبة النصوح
-وبالاستغفار تتحاتّ الخطايا والذنوب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غُفرت ذنوبه وإن كان فارّاً من الزحف . رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه
-وبالاستغفار يُودّع الميت :
ولذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ؛ فإنه الآن يسأل . رواه أبو داود .
- وبالإستغفار يكسب المسلم الحسنات :
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال: "من استغفر للمؤمنين و للمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة"
حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع
و عن الزبير بن العوام أن النبي قال: "من أحب أن تسره صحيفته ، فليكثر فيها من الاستغفار " صحيح الجامع
قال القرطبي : قال علماؤنا : الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان ، فأما من قال بلسانه : استغفر الله ، وقلبه مُصِرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار ، وصغيرته لاحقةٌ بالكبائر . وروي عن الحسن البصري أنه قال : استغفارنا يحتاج إلى استغفار .
قال بكر عبد الله المزني : أنتم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار ، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سرّه مكان ذلك .
وأخيرا أذكر لكم قصة تروى عن الإمام أحمد والله أعلم بمدى صحتها من ضعفها في واقعة حدثت له مع خباز:
كان الامام ابن حنبل يريد ان يقضي ليلته في احد المسجد حيث انقطعت به السبل في احد اسفاره ولكن منعه حارس المسجد من المبيت فيه والغالب أنه لم يكن يعرفه
حاول الامام ولكن لا جدوى فقال الامام للحارس : سأنام موضع قدمي ، وبالفعل نام مكان موضع قدميه
فقام حارس المسجد بإبعاده من مكان المسجد ويقال أنه جره إلى خارج المسجد ، وكان الامام شيخاً وقورا ، وتبدو عليه ملامح الصلاح والتقوى ،فلمحه خباز فلما رآه بهذه الهيئة ؛ عرض عليه المبيت وذهب الامام مع الخباز ، فذهب الخباز لتحضير عجينه لعمل الخبز ، وسمع الامام الخباز يستغفر ويستغفر في أثناء عمله دون انقطاع ، ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال ، فتعجب الامام !
ولما أصبح سأل الامام الخباز عن استغفاره في الليل ، فأجابه الخباز : أنه كلما ماصنع عجينه وعجنها يستغفر ..
فسأله الامام وهل وجدت للاستغفار من ثمرة ؟
فقال الخباز: نعم والله ما دعوت دعوة الإ أجيبت إلا دعوة واحدة.
فقال الامام أحمد:وماهي؟
فقال الخباز: رؤية أحمد بن حنبل!
فقال الامام : قد أتاك أحمد بن حنل يجر إليك من قدمه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين