مع تصويت المصريين على استفتاء الدستور في مرحلته الثانية، تزداد حالة
الاستقطاب السياسي في مصر، وسط طغيان الحدث السياسي على أزمات المعيشة
اليومية التي تثقل كاهل الشعب المصري، رغم أنه دفع ثمناً غالياً لإحداث
التغيير وعينه على تحسين وضعه المعيشي، كواحد من أهداف تظاهرات ميدان
التحرير في عهد النظام السابق.
اليوم انقسم ميدان التحرير الذي أبهر العالم في تظاهرات ثورة 25 يناير،
على نفسه، وهي حالة طبيعية بالنظر إلى حيوية الوضع المصري وطبيعته، إلا أن
هذا الانقسام يهدد ما أنجزته مصر خلال عقود طويلة على تواضعها في حال أصبح
الاستقطاب حالة طبيعية في السياسة والمجتمع.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن غالبية بسيطة سترجح كفة مشروع الدستور
الذي قدمه الرئيس محمد مرسي، وهذا يعني أن معارضة غير بسيطة ستقاوم تمرير
أجندات الطرف الحاكم. هذا الاستقطاب الذي بدأ يظهر ويفرض نفسه على الشارع
المصري، قد يحمل معه انهيار قطاع الخدمات الهش في مصر.
ومراكز المدن الرئيسية باتت تظهر عليها ملامح المناطق غير المنظمة
إدارياً، بحسب تقارير صحافية عديدة. مثل هذه الأمور ستتفاقم وتجرف معها
أيضاً مشكلات اجتماعية ستنمو وتتغذى في الظل، طالما أن الاستقطاب السياسي
الحاد يطغى على اهتمامات وسائل الإعلام، ويشغل بال أهل مصر الذين يتمنون
الاستقرار لبلدهم، بعيداً عن تفجر أزمات سياسية تعرقل مسيرة التنمية
المرهونة بانفراج الأزمة الحالية.
إن طبيعة وحجم الانقسام والاستقطاب الحاليين، يفرضان على القوى السياسية
المصرية، الحاكمة منها والمعارضة، الجلوس على طاولة الحوار دون تمسك أي طرف
بموقفه حتى النهاية، إنما المرونة مطلوبة لردم الفجوة العميقة بين أطراف
الأزمة، ولعل من الأفضل أن تأتي المبادرة من الحكومة لتوسيع تمثيلها
الحالي، بحيث تكون حكومة ونظام كل المصريين.
إن التراجع عن مادة دستورية أو قرار ما، ليس هزيمة إذا كان ذلك كفيلا
بنزع فتيل اضطراب سياسي يؤثر على معيشية السكان، بل دليل قوة وغيرة على
مصلحة مصر. ولعل الانطلاق من قاعدة أن لا دستور أغلى من الوطن، هو المدخل
المناسب لاستقرار مصر وخيرها.